قصة إبليس في سورة الإسراء.
قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ
فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً
(61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ
أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ
إِلَّا قَلِيلاً (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ
جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُوراً (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ
اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ
وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ
وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً (64) إِنَّ عِبَادِي
لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً)
(الإسراء:61ــ 65).
السؤال (45): ما معنى قوله تعالى
(لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ
إِلَّا قَلِيلاً)؟.
قال تعالى: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ
أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ
إِلَّا قَلِيلاً) (الإسراء:62).
كلمة (لأحتنكنّ)
كلمة مفردة في القرآن ليس لها شبيه من جهة اللفظ والاشتقاق, وردت في
موضع واحد في القرآن في سورة الإسراء, وهي مشتقة من الاحتناك, وفي معنى
قوله تعالى: (لَأَحْتَنِكَنَّ
ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً)
قولان:
(الأول): الاستيلاء والاحتواء.
قال ابن عباس: ((لأستولين عليهم)) (الطبري).
وقال مجاهد: ((لأحتوينهم)) (الطبري).
وقال ابن زيد: ((لأضلنهم)) (الطبري).
والمعنى: لأستأصلن ذريته ولأجتاحنهم بالإغواء
والإضلال, وقد رُوي أنّ العرب يقولون: ((احتنك الجراد الزرع)) إذا ذهب
به كله, ويقال ((احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علم)) أي ذهب به
واستولى عليه واحتواه, ومنه قول الشاعر:
أشكو إليك سنة قد أجحفت جهداً إلى جهد بنا وأضعفت
واحتنكت أموالنا واجتلفت
أي ذهبت بالأموال.
(والثاني) قيل معناه: لأسوقنهم حيث شئت
وأقودنّهم حيث أردت, مأخوذ من قولهم: حنكت الفرس أحكنه حنكاً إذا جعلت
في فمه الرسن.
السؤال (46): ما معنى قوله تعالى
(وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ
مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ)؟.
قوله تعالى: (واستفزز) معناه: واستخفف واستجهل، مأخوذ من قولهم استفزّ فلاناً فهو
يستفزه, ومنه قولهم استفزه الخوف أي: استخفه.
(واستفزز) أمر
تعجيز أي: أنت لا تقدر على إضلال أحد وليس لك على أحد سلطان إلا من كان
في علم الله أنه يضل, فافعل ما شئت.
وفي معنى قوله تعالى: (بصوتك) أقوالٌ:
قال ابن عباس: ((صوته: كل داع يدعو إلى معصية
الله))(الطبري).
وقال مجاهد: ((صوته: الغناء والمزامير واللهو))
(الطبري).
وقال الضحاك(36): ((صوته: المزمار)) (القرطبي).
وقال الطبري: ((وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن
يقال إنّ الله تبارك وتعالى قال لإبليس: واستفزز من ذرية آدم من استطعت
أن تستفزه بصوتك, ولم يخصص من ذلك صوتاً دون صوت, فكل صوت كان دعاء
إليه وإلى عمله وطاعته وخلافاً للدعاء إلى طاعة الله فهو داخل في معنى
صوته,الذي قال تبارك وتعالى اسمه له: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ)).
وقال القرطبي: ((في الآية ما يدل على تحريم
المزامير والغناء واللهو لقوله:
(وَاسْتَفْزِزْ مَنِ
اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ)
على قول مجاهد. وما كان من صوت الشيطان أو فعله وما يستحسنه فواجبٌ
التنزه عنه. وروى نافع عن ابن عمررضي الله عنه أنه سمع صوت زمارة فوضع
أصبعيه في أذنيه, وعدل راحلته عن الطريق وهو يقول: يا نافع أتسمع؟
فأقول نعم, فمضى حتى قلت: لا, فوضع يديه وأعاد راحلته إلى الطريق وقال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت زمارة راعٍ فصنع مثل هذا
(أحمد). قال علماؤنا: إذا كان هذا فعلهم في حق صوتٍ لا يخرج عن
الاعتدال, فكيف بغناء أهل هذا الزمان وزمرهم)).
السؤال (47): ما معنى قوله تعالى
(وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ
وَالْأَوْلادِ)؟.
قوله تعالى: (وشاركهم) معناه: اجعل لنفسك شركة في ذلك.
أما المشاركة في الأموال فهي:
(1) قيل: اكتساب المال من الوجه الحرام. قال مجاهد:
((التي أصابوها من غير حلها)) (الطبري). وقال مجاهد: ((ما أكل من مال
بغير طاعة الله)) (الطبري).
(2) وقيل: إنفاقها في معصية الله. قال قتادة: ((قد
والله شاركهم في أموالهم وأعطاهم الله أموالاً فأنفقوها في طاعة
الشيطان في غير حق الله تبارك اسمه)) (الطبري).
(3) وقيل: اكتسابها من حرام وإنفاقها في حرام. قال
الحسن: ((مُرهم أن يكسبوها من خبيثٍ وينفقوها في حرام)) (الطبري).
(4) وقيل: الشرك في أموال الربا. قال عطاء بن أبي
رباح: ((الشرك في أموال الربا))(الطبري).
(5) وقيل: تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام.
قال ابن عباس: ((مشاركته في الأموال أن جعلوا البحيرة والسائبة
والوصيلة لغير الله)) (الطبري).
(6) وقيل: الذبح للآلهة. قال الضحاك: ((يعني ما
كانوا يذبحون لآلهتهم)) (الطبري).
(7) قال الطبري في تفسيره: ((وأولى الأقوال في ذلك
بالصواب قول من قال: عني بذلك كل مال عُصي الله فيه بإنفاق في حرامٍ أو
اكتساب من حرام أو ذبح للآلهة أو تسييب أو بحرٍ للشيطان وغير ذلك مما
كان معصياً به أو فيه, وذلك أنّ الله قال: (وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ)
فكل ما أطيع فيه الشيطان من مالٍ وعُصي الله فيه, فقد شارك فاعل ذلك
فيه إبليس, فلا وجه لخصوص بعض ذلك دون بعض)).
وأما المشاركة في الأولاد فهي:
(1) قيل: أولاد الزنا. قال ابن عباس ومجاهد
والضحاك: ((هم أولاد الزنا)) (الطبري).
(2) وقيل: وأد الأولاد وقتلهم. قال ابن عباس: ((ما
قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم الحرام))(الطبري).
(3) وقيل: تسميتهم عبد الحارث وعبد العُزّى وعبد
اللات وعبد شمس. قال ابن عباس: ((مشاركتهم إياهم في الأولاد سموا عبد
الحارث وعبد شمس وعبد فلان)) (الطبري).
(4) وقيل: صبغهم إياهم بالكفر. قال الحسن: ((قد
والله شاركهم في أموالهم وأولادهم, فمجّسوا وهوّدوا ونصّروا وصبغوا غير
صبغة الإسلام, وجزؤوا من أموالهم جزءاً للشيطان)) (الطبري). وقال
قتادة: ((قد فعل ذلك أما في الأولاد فإنهم هوّدوهم ونصّروهم ومجّسوهم))
(الطبري).
5- قال الطبري في تفسيره: ((وأولى الأقوال في ذلك
بالصواب: أن يقال كل ولد ولدته أنثى عُصي الله بتسميته ما يكرهه الله
أو إدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله, أو بالزنا بأمه, أو قتله
ووأده,أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بها بفعله به أو فيه, فقد
دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك المولود له أو منه, لأن الله لم
يخصص بقوله (وَشَارِكْهُمْ فِي
الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ) معنى
الشركة فيه بمعنى دون معنى, فكل ما عُصي الله فيه أو به, وأُطيع
الشيطان به أو فيه, فهو مشاركة من عصي الله فيه أو به إبليس فيه)).
ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: ((يقول الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين
فاجتالتهم عن دينهم وحرَّمت عليهم ما أحللت لهم)). وثبت في الصحيحين أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي
أهله قال: بسم الله, اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا, فإنه
إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبداً)).