قصة إبليس في سورة الكهف
قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا
إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ
أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ
لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)
(الكهف:50).
السؤال (48): هل لإبليس ذرية من صلبه؟.
قال الشعبي: ((سألني رجل فقال:هل لإبليس زوجة؟
فقلت: إنّ ذلك عُرسٌ لم أشهده, ثم ذكرت قوله:
(أفتتخذونه وذريته)
فعلمت أن لا تكون ذرية إلا من زوجة, فقلت: نعم)) (القرطبي).
وقال مجاهد: ((إنّ إبليس أدخل فرجه في فرج نفسه
فباض خمس بيضات فهذا أصل ذريته)) (القرطبي).
وقال أبو نصر القشيري: ((وبالجملة: إن الله تعالى
أخبر أن لإبليس أتباعاً وذرية, وأنهم يوسوسون إلى بني آدم, وهم
أعداؤهم, ولا يثبت عندنا كيفية في كيفية التوالد منهم وحدوث الذرية عن
إبليس,فيتوقف الأمر فيه على نقل صحيح)) (القرطبي).
وقال القرطبي: ((الذي في هذا الباب من الصحيح ما
ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن الإمام أبي بكر البُرقاني أنه
خرج في كتابه مسنداً عن أبي محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ من رواية
عاصم عن أبي عثمان عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فبها باض الشيطان
وفرّخ) وهذا يدل على أن للشيطان ذرية من صلبه والله أعلم)).
قال ابن عطية: ((وقوله (وذريته) ظاهر اللفظ يقتضي
الموسوسين من الشياطين, الذين يأتون بالمنكر ويحملون على الباطل))
(القرطبي).
وذكر الطبري أن مجاهداً قال: ((ذريته إبليس
الشياطين، وكان يعدهم: زَلَنْبور صاحب الأسواق, يضع رايته في كل
سوق بين السماء والأرض يجعل تلك الراية على حانوت أول من يفتح وآخر من
يغلق, وثـَبَر صاحب المصائب, يأمر بضرب الوجوه وشق الجيوب
والدعاء بالويل والحرب, والأعور صاحب أبواب الزنا, ومسوط
صاحب الأخبار, يأتي بها فيلقيها في أفواه الناس فلا يجدون لها أصلاً,
وداسم الذي إذا دخل الرجل بيته فلم يسم ولم يذكر اسم الله بصَّره
من المتاع ما لم يُرفع وما لم يُحسن موضعه, وإذا أكل ولم يذكر اسم الله
أكل معه)).
وذكر الطبري أنّ الأعمش قال: ((وإني ربما دخلت
البيت فلم أذكر الله ولم أسلّم, فرأيت مطهرة فقلت: ارفعوا هذه
وخاصمتهم, ثم أذكر فأقول: داسم داسم أعوذ بالله منه)).
وزاد الثعلبي عن مجاهد: ((والأبيض, وهو الذي
يوسوس للأنبياء, وصخر وهو الذي اختلس خاتم سليمان, والأقيس
وهو صاحب الصلاة يوسوس فيها, ومُرّة وهو صاحب المزامير وبه
يُكْنى, والهفّاف يكون بالصحارى يُضل الناس ويتيههم))
(القرطبي).
وقال الداراني: ((إن لإبليس شيطان يقال له
المتقاضي, يتقاضى ابن آدم فيخبر بعمل كان عمله في السر منذ عشرين
سنة فيحدّث به علانية)) (القرطبي).
قال ابن عطية: ((وهذا وما جانسه مما لم يأت به سند
صحيح, وقد طوّل النقاش في هذا المعنى وجلب حكايات تبعد عن الصحة, ولم
يمر بي في هذا صحيح إلا ما في كتاب مسلم من أن للصلاة شيطاناً يسمى
خِنْزََب, وذكر الترمذي أن للوضوء شيطاناً يسمى الولهان))
(القرطبي).
قال القرطبي تعقيباً على قول ابن عطية: ((أما ما
ذكر من التعيين في الاسم فصحيح, وأما أن له أتباعاً وأعواناً وجنوداً
فمقطوع به, وقد ذكرنا الحديث الصحيح في أنّ له أولاداً من صلبه كما قال
مجاهد وغيره)).
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: ((إن
الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم فيحدثهم من الكذب فيتفرقون,
فيقول الرجل منهم: سمعت رجلاً أعرف وجهه ولا أدري ما اسمه يحدّث)).
وفي مسند البزار عن سلمان الفارسي قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا
آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته)).
وفي مسند أحمد بن حنبل عن أبي موسى الأشعري قال:
((إذا أصبح إبليس بث جنوده فيقول: من أضل مسلماً ألبسته التاج, فيقول
له القائل: لم أزل بفلان حتى طلق زوجته, قال: يوشك أن يتزوج, ويقول
آخر: لم أزل بفلان حتى عقّ, قال: يوشك أن يَبَرّ, ويقول القائل: لم أزل
بفلان حتى شرب, قال: أنت, ويقول: لم أزل بفلان حتى زنى, قال: أنت,
ويقول: لم أزل بفلان حتى قتل, قال: أنت أنت)).
وفي صحيح مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ((إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه,
فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة, يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا,
فيقول ما صنعت شيئاً, ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرّقتُ بينه
وبين أهله, قال فيدنيه أو قال فيلتزمه ويقول: نعم أنت)).