ثم
وضعوا أياديهم على رأسه وجلسوا، وأما هو فنهض قائماً، وأخذ القدح مع
الوكيل، وخر ساجداً، وقرأ سورة السجود، وهي الفصل السادس، ورفع رأسه، وقرأ
سورة العين، وهي الفصل التاسع ثم شرب الكأس وقرأ سورة السلام، وهي الفصل
السابع، وسيأتي ذكر هذه السور في مكانه.
ثم قام متوجهاً نحو الإمام قائلاً: نعم نعم نعم يا سيدي الإمام.
فقال
له الإمام : ينعم عليك وعلى من حواليك، لقد عملت ما لم تعمله هذه الجماعة؛
لأنك أخذت القدح بيدك، وشربت، وسجدت، وسلمت ولله السجود، فما هي حاجتك؟
وماذا تريد؟
فقال: أريد أن أتمسى بوجه مولاي، ثم انصرف ونظر نحو
السماء ورجع إليه قائلاً: نعم نعم نعم يا سيدي، فأجابه الإمام كالأول، وما
حاجتك؟ وماذا تريد؟
فقال: لي حاجة أريد قضاءها، فقال: اذهب اقضيها،
ثم انصرف عنهم ودنا مني لكي أقبل يديه ورجليه فقبلتهما، ورجع إليه - أيضاً
- وقال: نعم نعم نعم يا سيدي الإمام.
فقال له الإمام: ما مرادك؟ وماذا تريد؟
فأجابه:
أنه تراءى لي شخص بالطريق، فقال: ألم تسمع ما قال سيدنا المنتجب الدين
العاني: الليل يجزع منه كل صنديد، فأجاب لي قلب قوي ولا خوف علي.
ثم نظر إلي - أيضاً - والتفت إليهم وقال هذا الشخص اسمه فلان، وهو قد أتى؛ ليتأدب أمامكم.
فقال: من دله علينا؟ فأجاب: المعنى القديم، والاسم العظيم، والباب الكريم، وهي لفظة عمس .
فقال
الإمام: إيت به؛ لنراه فأخذ المرشد بيدي اليمنى، وذهب بي إلى الإمام، فلما
دنوت منه مد لي رجليه فقبلتهما، ويديه - أيضاً - وقال لي: ما حاجتك؟ وماذا
تريد أيها الغلام؟ ثم نهض النقيب ووقف بجانبي، وعلمني بأن أقول بسر الذي
أنتم فيه يا معشر المؤمنين.
ثم نظر إلى بعبوسة وقال ما الذي حملك على أن تطلب منا هذا السر المكلل باللؤلؤ والدر، ولم يحمله إلا كل ملك مقرب أو نبي مرسل؟
اعلم يا ولدي أن الملائكة كثيرون، ولا يحمل هذا السر إلا المقربون والأنبياء كثيرون، وليس منهم من يحمل هذا السر إلا المرسلون.
والمؤمنون كثيرون وليس منهم من يحمل هذا السر إلا الممتحنون.
أتقبل قطع الرأس واليدين والرجلين ولا تبيح بهذا السر العظيم؟ فقلت له: نعم.
فقال لي أريد منك ماية كفيل، فقال الحاضرون: القانون ياسيدنا الإمام، فقال إكراماً لكم ليكن اثني عشر كفيلاً.
ثم
قام المرشد الثاني، وقبل أيدي الاثني عشر كفيلاً، وأنا - أيضاً - قبَّلت
أيديهم ثم نهض الكفلاء، وقالوا: نعم نعم نعم يا سيدي الإمام؟
فقال الإمام ما حاجتكم أيها الشرفاء؟ قالوا أتينا لنكفل فلاناً.
فقال: إذا باح بهذا السر أتأتوني به لكي نقطعه تقطيعاً، ونشرب دمه؟
فقالوا:
نعم، فأجاب وقال: لست أكتفي بكفالتكم فقط بل أريد اثنين معتبرين يكفلانكم،
فجرى واحد من الكفلاء وأنا وراءه وقبل أيدي الكفيلين المطلوبين وقبلتهما
أنا - أيضاً - ثم نهضا قائمين وأيديهما موضوعة على صدريهما، فالتفت إليهما
الإمام وقال: الله يمسيكما بالخير أيها الكفيلان المعتبران الطاهران أهل
البرس والكرش، فما تريدان؟ فأجابا: إننا قد أتينا لنكفل الاثني عشر كفيلاً،
وهذا الشخص -أيضاً-.
قال: فإذا هرب قبل أن يكمل حفظ الصلاة، أو باح بهذا السر هل تأتياني به لنعدم حياته؟ فقالا: نعم.
قال الإمام: إن الكفلاء يفنون وكفلا الكفلا يفنون، وأنا أريد منه شيئاً لا يفنى، فقال له: افعل ما شئت.
فالتفت
إلي وقال: ادن مني يا غلام، فدنوت منه، وحينئذ استحلفني بجميع الأجرام
السماوية بأني لا أبيح بهذا السر ثم ناولني كتاب المجموع في يدي اليمنى،
وعلمني النقيب الواقف بجانبي أن أقول: تفضل حلفني يا سيدي الإمام على هذا
السر العظيم، وأنت بريء من خطيئتي.
فأخذ الكتاب مني، وقال: يا ولدي احلّفك ليس لأجل مال ولا جوار، بل لأجل سر الله فقط كما حلفنا مشايخنا وساداتنا.
وهكذا تكرر العمل والقول ثلاث مرات، ثم وضعت يدي على المجموع ثلاث مرات حالفاً به أن لا أبيح بهذا السر ما دمت حياً.
وأما العامة فيستحلفونهم أكثر من ذلك لا سيما نصيرية أيالة اللاذقية.
ثم
قال الإمام: اعلم يا ولدي أن الأرض لا تقبلك فيها مدفوناً إن أبحت بهذا
السر، ولا تعود تدخل القمصان البشرية، بل حين وفاتك تدخل قمصان المسوخية
وليس لك منها نجاة أبداً.
ثم أجلسوني بينهم وكشفوا رأسي، ووضعوا
عليه غطاء، ثم إن الكفلاء وضعوا أيديهم على رأسي وأخذوا يصلون، فقرأوا
أولاً سورة الفتح، والسجود، والعين، ثم شربوا خمراً، وقرأوا سورة السلام،
ورفعوا أيديهم عن رأسي وأخذني عمُّ الدخول وسلمني إلى مرشدي الأول ثم أخذ
بيده كأس خمر وسقاني، وعلمني أن أقول بسم الله وسر السيد أبي عبد الله
العارف بمعرفة الله سر تذكاره الصالح سره أسعده الله ، ثم انصرفت الجماعة،
وأخذني السيد إلى بيته واسمه أحمد أفندي بن رضوان أغا من أعيان مدينة أدنه،
والمرشد الثاني اسمه الشيخ صالح الجبلي رئيس الرمالين.
ثم ابتدأ
السيد يعلمني أولاً التبرِّي، وهي سورة الشتائم الآتي ذكرها في الباب
الثاني في باءة صلاة أعيادهم، وحينئذٍ أطلعني على صلاتهم المشهورة فيها
عبادة علي بن أبي طالب، وهي ستة عشر سورة .([4])
--------------------------------------------------------------------------------
[1] _ انظر الحركات الباطنية ص373_380.
[2] _ الحركات الباطنية ص384، نقلاً عن المقالات والفرق :سعد القمي ص100_101.
[3] _ الحركات الباطنية ص369.