أما معنى (غراً محجلين): الغر: جمع "أغر" أي: ذوو
غرة من السجود، أي من أثر السجود في الصلاة، قال تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي
وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} (الفتح/29) ومحجلون من الوضوء: أي من
أثر وضوئهم في الدنيا، وقد سجدت الأمم قبلهم فلم يظهر على جباههم، وتطهروا
فلم يظهر على أطرافهم من ذلك شيء، فتلك إشارة هذه الأمة في الموقف يعرفون
بها. قاله المناوي ـ رحمه الله تعالى ـ في فيض القدير 2/184.
وفي شرح
سنن ابن ماجه 1/317: "غراً محجلين: الغر بالضم: جمع أغر، من الغرة وهي
البياض في الوجه، والتحجيل: بياض القوائم من الأيدي والأقدام" اهـ.
وقال
الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "جمع أغر، أي ذو غرة، وأصل الغرة لمعة
بيضاء تكون في جبهة الفرس، ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر،
والمراد بها هنا: النور الكائن في وجوه أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. أي
أنهم إذا دعوا على رؤوس الأشهاد نودوا بهذا الوصف وكانوا على هذه الصفة.
قوله: محجلين.. من التحجيل وهو بياض يكون في ثلاث قوائم من الفرس، وأصله من
الحجل بكسر المهملة وهو الخلخال، والمراد به هنا أيضاً: النور" اهـ. (فتح
الباري 1/236).
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: "الصحيح أنه لا
يستحب مجاوزة محل الفرض في طهارة الماء؛ لأنَّ الله تعالى ذكر حدّ الوضوء
إلى المرفقين والكعبين، وكل الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم
يذكر أحد منهم أنه فعل ذلك، ولا رغب فيه، وإنما فهمه أبوهريرة رضي الله عنه
في ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء، حيث قال: "إنَّ أمتي يأتون
غراً محجلين من آثار الوضوء، وإنَّ الحلية تبلغ من المؤمن حيث يبلغ
الوضوء". ففهم من ذلك أنه يستحب إطالة التحجيل، فكان رضي الله عنه يغسل
ذراعيه حتى يصل إلى قريب المنكبين، ويغسل قدميه حتى يشرع في الساقين، وغيره
فهم من هذه الأحاديث الترغيب في الوضوء الشرعي الذي كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يفعله، وقال الأئمة: إنَّ قوله: "فمن استطاع منكم أن يطيل
غرته وتحجيله" ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام أبي
هريرة رضي الله عنه، كما قال ذلك الإمام أحمد وغيره. وأيضاً إطالة الغرة
غير ممكنة؛ لأنَّ إطالتها لا تكون إلا بغسل شيء من الرأس مع غسل الوجه،
وهذا غير مشروع اتفاقاً، والله أعلم" اهـ. (المختارات الجلية 2/97 المجموعة
الكاملة).