أختي المسلمة: الإنسان في هذه الحياة يغتر بقوته العارضة وماله
الزائل فينتفش ويشعر أنه أقوى الناس سلطانا وأجرؤهم لسانا
وأمضاهم يدا وأوضحهم حجة وأكثرهم ناصرا وأقلهم احتياجا وما
إن تهب رياح الزمان فتصيبه مصيبة – ربما كانت لسهولتها في آخر
قاموس المصائب حتى يزول السلطان ويذهب الجاه ويبدو كطفل
صغير يبحث عن أبيه يلتمس مساعدة الناس ويبالغ في عرض مأساته
طلبا لرحمتهم.
إن الإنسان بدون الركوع إلى الله والتعلق به والالتجاء إليه
يصبح حيوانا يتبع غرائزه ويعشق ذاته ويدور حول منفعته عكس
المسلم الصادق الذي ينطلق من تعاليم دينه فيحب للناس الخير
ويكره لهم الشر ويشمر ساعديه في مساعدة بائسهم ويكشف عن
ساقيه للإسراع بقضاء حاجات ملهوفهم.
أختي المسلمة: من أهم ما يتميز به المسلم والمسلمة اللذان تعلق
قلبهما بالله وطبقا في حياهما شرعه وامتثلا أمره تلك الراحة النفسية
والاطمئنان القلبي فلا تراهما إلا مبتسمين حتى في أحلك الظروف
وأقسى الحالات فهما يدركان أن ما أصاهما لم يكن ليخطئهما وأن
ما أخطأهما لم يكن ليصيبهما فلا يتحسران لفوت محبوب ولا يتجهمان لحلو مكروه فربما كان وراء المحبوب مكروها ووراء
المكروه محبوبا {وعسى َأنْ تكْرهوا شيئًا و هو خير َلكم وعسى َأنْ تحبوا شيئًا و هو شر َلكم واللَّه يعلَم وأنتم َلا تعلَمون}
لا تغرهما زخارف الدنيا وإن كانا لا يتركان نصيبهما منها { وابتغِ فيما آَتاك اللَّه الدار الْآَخرةَ ولا تنس نصيبك من الدنيا}
لمعرفتهما أن الدنيا بقصر عمرها وامتلائها بالغصص والنكد لا تستحق أن
يغضب الإنسان من أجلها ولا أن يتحسر لفوت شيء منها فهي لا
تساوي شيئًا مع الآخرة دار القرار حيث النعيم الأبدي فيها ما لا
عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر للمؤمنين
الصادقين.
أختي المسلمة: لو صفت الدنيا من الأكدار وخلت من
المصائب – وذاك محال – فإن مجرد تذكر الموت يجعل حلوها مرا
وكثيرها قليلاً وطويلها قصيرا وصفوها كدرا، هذا لو ضمن
الإنسان لنفسه عمرا طويلا فكيف وهو إذا أصبح خشي ألا يمسي
وإذا أمسى خشي ألا يصبح وإذا انقشعت سحابة مصيبة أقبلت
أخرى يروعه فقد الأقربين وموت الأصدقاء وعندما يحس بألم
عارض في عضو من أعضائه أو يخيل إليه زيادة في خفقان قلبه أو
يحس بقلة شهية للطعام يرتسم شبح الموت أمام ناظريه فإذا هو
يفزع ويخاف فيزداد مرضا وتخيم عليه الوحشة وكأن ذلك الخوف
مانع من نزول الموت أو مبعد له.
يا لضعف الإنسان. ما أحقره وأقل شأنه. تراه شابا مكتمل
الحيوية والنضارة والنشاط ممتلئ الجسم فلا يلبث العمر أن يطوح به
إلى خريفه فإذا هو محدودب الظهر متغضن الوجه يتعبه أدنى جهد
ويهده أقل عمل.
وتراه غنيا يسكن القصر الشامخ ويركب السيارة الفارهة
ويجلس على الفراش الوثير ثم تنقلب به الأيام فإذا هو يسكن ما
كان يأنف من سكناه ويركب ما كان يزدري ركوبه ويلبس ما
كان يستخشن لبسه ويأكل ما كان يخاف أكله.
إن لذة الحياة وجمالها وقمة السعادة وكمالها لا تكون إلا في
طاعة الله التي لا تكلف الإنسان شيئًا سوى الاستقامة على أمر الله
وسلوك طريقه ليسير الإنسان في الحياة مطمئن الضمير مرتاح البال
هادئ النفس دائم البِشر طلق المحيا يعفو عمن ظلمه ويغفر زلة من
أساء إليه يرحم الصغير ويوقر الكبير. يحب قضاء حاجات الناس
ويكون في خدمتهم ويتحمل أذاهم ثم هو لا يفرط في صغير ولا
كبير من أمر الله بل يحرص على كل عمل يقربه إليه ويدنيه منه فإذا
نزلت به المصائب تلقاها بصبر ورضا وإذا جاء الموت رأى فيه
خلاصا من نكد الدنيا ورحلة إلى دار الخلود.