القرآن رسالة من الله سبحانه و تعالى الملك القدوس موجهة إلى الناس كافة، وإلى الذين آمنوا بصورة خاصة؛ وفيها من الإرشاد والتوجيه والأوامر والنواهي ما تتوقف على سعادة المرء المؤقتة في الدنيا والمستمرة في الآخرة فلماذا إذن نتهاون في قراءته وتدبره والإتمار بأوامره واجتناب نواهيه.
وإذا نظرنا إلى واقع المسلمين اليوم مع القرآن، نجد أنه مؤرق وعلاقتهم به يحكمها الهجروالعقوق إلى درجة نخشى معها أن نقول: إن علل الأمم السابقة التي حذر منها القرآن ونبه إليها الرسول صلى الله عليه وسلم تسربت إلى العقل المسلم.
قال تعالى:
" وَمِنْهُمْ أُمِيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلْا أَمَانِي" وقد نقل ابن تيمية رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:
" ومنهم أميون" أي غير عارفين بمعاني الكتاب، يعلمونها حفظا و قراءته بلا فهم. و قوله " إلا أماني " أي تلاوة لا يعلمون فقه الكتاب و إنما يقتصرون على ما يتلى عليهم.
إنها الأمية التي نعيشها اليوم مع القرآن، والتي تعني ذهاب العلم على الرغم من تقدم فنون الطباعة، ووسائل النشر وتقنيات التسجيل
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: " حال المسلمين اليوم مع القرآن الكريم تستدعي الدراسة المتعمقة، ذلك أن المسلمين – بعد القرون الأولى – انصرف اهتمامهم بكتابهم إلى ناحية التلاوة وضبط مخارج الحروف وإتقان الغنن و المدود وما إلى ذلك مما يتصل بلفظ القرآن . مع أن كلمة "قرأت" تعني قرأت وفهمت المقصود مما قرأت. الأمة الإسلامية فصلت اليوم بين التلاوة والتدبر وهو موقف مرفوض شرعا، قال الله تعالى " كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الألْبَابِ " (سورة ص 29) فأين التدبر والتذكر مع تلك التلاوة السطحية التي ليس فيها إحساس بالمعنى، أو إدراك للمقصد، أو غوص فيما وراء المعنى القريب.
"لذلك نجد الأمة الإسلامية عندما هجرت كتابها – أو على الأقل أخذت تقرؤه على أنه تراتيل دينية- فإنها فقدت صلتها بالكون، وكانت النتيجة أن الذين درسوا الكون خدموا به الكفر، واستطاعوا أن يسخروه لأنفسهم، ومبادئهم وإلحادهم.
"القرآن كتاب يصنع النفوس، ويصنع الأمم ويبني الحضارة.. فأما أن يُفتح المصباح فلا يرى أحد النور لأن أبصارهم مغلقة، فالعيب عيب الأبصار التي أبت أن تنتفع بالنور، والله تعالى يقول "قَدْ جَآءَكُم مِنَ اللهِ نُورٌ وَ كِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَمِ"
(سورة المائدة 15 و 16).
ومن الأحاديث النبوية : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تبارك وتعالى ، يتلون كتاب الله عز وجل، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده"
قال عمر رضي الله عنه "أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما، ويضع به آخرين "
ومن آداب قراءة القرآن : أولا الإخلاص في قراءته وأن يراد بها وجه الله سبحانه وتعالى، وأن نستحضر في دهننا أننا نناجي الله عز وجل، وأن ننظف الفم بالسواك أو غيره. وأن يكون شأننا الخشوع والتدبر والخضوع. كما يستحب تحسين الصوت بالقراءة وتزيينها ما لم يبالغ في ذلك.
ومن وصايا الدكتور يوسف القرضاوي في قراءة كتب التفسير:
1.
الاهتمام بلباب التفسير، والإعراض عن الحشو والفضول والاستغراق في المباحث اللفظية أو المسائل النحوية والتطويل في المجادلات الكلامية والخلافات الفقهية، مما يحجب عن القارئ إدراك أسرار كلام الله تعالى.
2.
الإعراض عن الإسرائيليات لأنها لا تكاد تخلو من تبديل أو زيادة أو نقصان.
3.
الحذر من الروايات الموضوعة أو الضعيفة وقد وقع كثير من المفسرين في هذا الخطأ (إلخ )"
ومن واجبات التدبر: تفريغ النفس من شواغلها،وقضاء حاجاتها وتلبية طلباتها قبل الإقبال على القراءة ، لأن الحاجات تبقى تلح على النفس وبذلك تحجب القلب عن التدبر والوعي و التلقي.
ومن علامات التدبر: التأثر و الانفعال بالآيات حسب موضوعاتها وسياقها فتفرح عند آيات التبشير والرجاء والأمل، وتحزن وتبكي عند آيات الإنذار والوعيد، وتسر عند آيات النعيم، وتخاف عند آيات العذاب، وتعرض نفسك على آيات صفات المؤمنين لتستكمل الناقص،وعلى آيات صفات الكافرين و المنافقين لتتخلى عما علق بك منها، وهكذا......
قال الحسن البصري رضي الله عنه:إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله..... وما تدبر آياته إلا باتباعه، وما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول: لقد قرأت القرآن كله، فما أسقطت منه حرفا، وقد –والله- أسقطه كله، ما يرى القرآن له في خلق ولا عمل، حتى إن أحدهم ليقول إني لأقرأ السورة في نفس ، والله ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الورعة، متى كانت القراءة مثل هذا؟..... لا كثر الله في الناس مثل هؤلاء..."